بين دبلوماسية الإنقاذ ومعاناة الأسرى.. العرب يبحثون عن حلول لأزمة غزة الإنسانية
بين دبلوماسية الإنقاذ ومعاناة الأسرى.. العرب يبحثون عن حلول لأزمة غزة الإنسانية
في خِضَم الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، تبرز الجهود العربية، وخاصة تلك التي تقودها مصر والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن، كإحدى المحاولات الجادة لوقف الحرب وإيجاد حلول مستدامة لقضية الأسرى والمعتقلين.
تسعى هذه الجهود، التي تأتي في إطار دبلوماسية نشطة وحثيثة، إلى تحقيق التوازن بين الضغوط السياسية الدولية والمطالب المحلية، مع الحفاظ على حقوق الإنسان وحماية المدنيين من تداعيات الصراع الدائر.
منذ اندلاع التصعيد الأخير في غزة، أظهرت مصر دورًا محوريًا في الوساطة بين الأطراف المتنازعة. فبالإضافة إلى كونها بوابة رئيسية للدخول والخروج من القطاع عبر معبر رفح، لعبت القاهرة دورًا دبلوماسيًا بارزًا في محاولة إقناع الأطراف بوقف إطلاق النار.
وفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الخارجية المصرية، تم عقد عدة جولات من المفاوضات في القاهرة بمشاركة ممثلين عن حركة حماس وإسرائيل، بدعم من جهات دولية مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
وأسفرت هذه الجهود عن اتفاقيات مؤقتة لوقف إطلاق النار في غزة، وإن كانت قصيرة الأمد، إلا أنها أسهمت في تخفيف حدة العنف وإنقاذ أرواح مدنيين.
من جهتها، قامت الإمارات العربية المتحدة بدور كبير؛ فمن خلال دعمها المالي والإنساني، أسهمت الإمارات في توفير المساعدات الطبية والغذائية للقطاع المحاصر، ووفقًا لإحصائيات صادرة عن الهلال الأحمر الإماراتي، فتم إرسال أكثر من 200 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الأشهر الستة الماضية، بما في ذلك الأدوية والمستلزمات الطبية التي تشتد الحاجة إليها.
كما أعلنت الإمارات عن تمويل مشاريع إعادة إعمار في القطاع، بقيمة تقدر بنحو 50 مليون دولار، بهدف إعادة بناء البنية التحتية المدمرة جراء القصف المتكرر.
الأسرى في السجون الإسرائيلية
على صعيد قضية الأسرى، تشير تقارير حقوقية إلى أن عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يصل إلى نحو 4,500 أسير، بينهم أطفال ونساء وكبار سن.
وأثارت ظروف اعتقالهم، التي توصف أحيانًا بالقاسية، انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية فوفقًا لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن العديد من الأسرى يعانون من سوء المعاملة والحرمان من الرعاية الطبية الكافية، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.
وتبذل مصر جهودًا دبلوماسية مكثفة للإفراج عن الأسرى، خاصة النساء والأطفال، كجزء من أي اتفاقية لوقف إطلاق النار، وقد نجحت هذه الجهود، ولو جزئيًا، في الإفراج عن بعض الأسرى خلال فترات الهدنة المؤقتة إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في تحقيق إفراج شامل ودائم، وهو ما يتطلب ضغوطًا دولية أكبر وتنسيقًا أوسع بين الأطراف المعنية.
أما الإمارات فقد دعمت بشكل غير مباشر قضية الأسرى من خلال تمويل برامج إعادة تأهيل الأسرى المحررين، بالتعاون مع منظمات محلية ودولية، ووفقًا لتقارير إعلامية، تم تخصيص مبالغ مالية لتدريب الأسرى المحررين على مهارات جديدة تساعدهم على الاندماج في المجتمع بعد سنوات من الاعتقال.
الدبلوماسية والدعم الإنساني
تلعب قطر دورًا بارزًا في ملف غزة، سواء من خلال الوساطة الدبلوماسية أو تقديم المساعدات الإنسانية، فمنذ بداية التصعيد الأخير، أظهرت الدوحة التزامًا قويًا بوقف إطلاق النار ودعم المدنيين في القطاع، ووفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الخارجية القطرية، تم تخصيص أكثر من 500 مليون دولار كمساعدات إنسانية لغزة خلال العام الماضي، بما في ذلك تمويل مشاريع إعادة الإعمار وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
وقد نجحت قطر، بالتعاون مع مصر والأمم المتحدة، في تحقيق عدة اتفاقيات لوقف إطلاق النار، وإن كانت مؤقتة.. ففي نوفمبر 2023، أعلنت الدوحة عن اتفاقية لوقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام، تم خلالها إدخال المساعدات الإنسانية والإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تم خلال هذه الفترة إدخال أكثر من 100 شاحنة محملة بالمساعدات إلى القطاع، مما ساهم في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية.
وعلى صعيد قضية الأسرى، تعمل قطر بشكل غير مباشر من خلال دعمها للمفاوضات بين حماس وإسرائيل، وقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن الدوحة قدمت ضمانات مالية لضمان التزام الأطراف ببنود الاتفاقيات، بما في ذلك الإفراج عن الأسرى.
جهود إنسانية ودبلوماسية
أما الأردن فيلعب دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية من خلال جهوده الدبلوماسية والإنسانية، فبالإضافة إلى كونه دولة مجاورة لفلسطين، يمتلك الأردن علاقات تاريخية مع القضية الفلسطينية، ما يجعله شريكًا أساسيًا في أي جهود لوقف الحرب في غزة وفقًا لتقارير صادرة عن وزارة الخارجية الأردنية، قامت المملكة بتقديم مساعدات إنسانية بقيمة 30 مليون دولار لغزة خلال العام الماضي، بما في ذلك توفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
ويلعب الأردن دورًا مهمًا في الضغط الدولي من أجل وقف الحرب، ففي أكتوبر 2023، قدمت المملكة مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وإنشاء ممرات إنسانية لتوصيل المساعدات، وعلى الرغم من تعطل القرار بسبب الفيتو الأمريكي فإن الجهود الأردنية لفتت الانتباه الدولي إلى الأزمة الإنسانية في القطاع.
على صعيد قضية الأسرى، يعمل الأردن بشكل وثيق مع المنظمات الدولية لحماية حقوق الأسرى الفلسطينيين، ففي عام 2023، أعلنت المملكة عن تخصيص 5 ملايين دولار لدعم برامج إعادة تأهيل الأسرى المحررين، بالتعاون مع منظمات محلية ودولية. كما يقوم الأردن بدور نشط في الضغط على إسرائيل لتحسين ظروف اعتقال الأسرى، خاصة النساء والأطفال.
التحديات المشتركة
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول العربية، فإن التحديات تبقى كبيرة، فمن ناحية، تواجه هذه الجهود مقاومة من قبل إسرائيل، التي ترفض أي اتفاقيات لا تضمن أمنها بشكل كامل، ومن ناحية أخرى، تبقى الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية عائقًا أمام تحقيق أي تقدم ملموس.
ويمكن القول إن الجهود العربية، بما في ذلك تلك التي تقودها مصر والإمارات وقطر والأردن، تمثل محاولات جادة لوقف الحرب في غزة وحل قضية الأسرى.. ومع أن التحديات كبيرة، فإن الإصرار على إيجاد حلول مستدامة يبقى أمرًا ضروريًا لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ولا شك أن نجاح هذه الجهود سيعتمد على مدى التنسيق بين الأطراف المعنية، وكذلك على الدعم الدولي الذي يمكن أن يضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى.
انتهاكات بحق الأسرى
في خضم الصراع المستمر في غزة، يبرز ملف الأسرى الفلسطينيين كقضية ملحة، حيث يعاني الآلاف منهم من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تتنافى مع القانون الدولي.
وأكد الخبير الحقوقي وعضو البرلمان البحريني السابق، عبدالله زيد، أن هؤلاء الأسرى، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، يعيشون في ظروف قاسية تشمل الاكتظاظ في الزنازين، والحرمان من الرعاية الطبية، والتعرض للتعذيب، وهو ما يعد انتهاكًا صارخًا للمادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأضاف زيد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الاعتقالات الإسرائيلية، خصوصًا في الأراضي المحتلة، تخالف اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر نقل المعتقلين إلى سجون داخل إسرائيل، ومع ذلك تستمر سياسة الاعتقال الإداري، التي تتيح احتجاز الفلسطينيين دون محاكمة لفترات طويلة، ما يشكل انتهاكًا للحقوق المدنية والسياسية.
وشدد زيد على أن استمرار الحرب في غزة يعقد أوضاع الأسرى الفلسطينيين، حيث تُستخدم الاعتقالات كأداة قمعية لترهيب السكان.
وأكد على أن وقف إطلاق النار خطوة ضرورية لتحسين ظروف الأسرى والإفراج عنهم، إلا أن الجهود العربية تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التعنت الإسرائيلي والانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، مما يصعّب التوصل إلى حلول دائمة.
وأشار إلى أن نجاح الجهود العربية يعتمد على التنسيق الفعال بين الدول العربية والفصائل الفلسطينية والجهات الدولية، لافتا إلى أن الدعم الدولي يلعب دورًا رئيسيًا في الضغط على إسرائيل، رغم أن الضغوط الحالية تبقى محدودة بسبب الدعم غير المشروط الذي تتلقاه إسرائيل من بعض الدول الكبرى.
الآثار النفسية للاعتقال
من جانبها، أكدت الخبيرة الاجتماعية آية حسين، أن معاناة الأسرى الفلسطينيين لا تقتصر على الانتهاكات الجسدية والقانونية، بل تمتد إلى آثار نفسية واجتماعية عميقة تؤثر على الأسر والمجتمعات. وأوضحت أن الاعتقالات الإسرائيلية تؤدي إلى تفكك العائلات وخلق أجيال محطمة نفسيًا، حيث يعاني الأسرى المحررون من اضطرابات نفسية حادة، مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وأضافت آية حسين، أن الأطفال الذين يشهدون اعتقال ذويهم يتأثرون بشدة، ما يزيد من معدلات العنف أو يؤدي إلى الانطواء والعزلة، ويؤثر ذلك على المجتمع ككل من خلال نشر الخوف وعدم الاستقرار، ما يعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وشددت على أن وقف الحرب في غزة ليس فقط ضرورة لإنهاء المعاناة الإنسانية، بل أيضًا لحماية الأسرى من المزيد من الانتهاكات، مؤكدة أن التنسيق العربي والدولي هو المفتاح لتحقيق نتائج ملموسة، ورغم التحديات الكبيرة، فإن الإصرار على إيجاد حلول مستدامة يبقى ضروريًا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى.